سورة الروم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} اختلف في معناه، فقيل: راجعين إليه بالتوبة والإخلاص.
وقال يحيى بن سلام والفراء: مقبلين إليه.
وقال عبد الرحمن بن زيد: مطيعين له.
وقيل: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
فإن تابوا فإن بني سليم *** وقومهم هوازن قد أنابوا
والمعنى واحد، فإن ناب وتاب وثاب وآب معناه الرجوع. قال الماوردي: وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما- أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.
الثاني- أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة. الجوهري:
وأناب إلى الله أقبل وتاب. والنوبة واحدة النوب، تقول: جاءت نوبتك ونيابتك، وهم يتناوبون النوبة فيما بينهم في الماء وغيره. وانتصب على الحال. قال محمد بن يزيد: لان معنى: {أقم وجهك} فأقيموا وجوهكم منيبين.
وقال الفراء: المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين.
وقيل: انتصب على القطع، أي فأقم وجهك أنت وأمتك المنيبين إليه، لان الامر له، أمر لامته، فحسن أن يقول منيبين إليه، وقد قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} [الطلاق: 1]. {وَاتَّقُوهُ} أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بين أن العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص، فلذلك قال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقد مضى هذا مبينا في النساء والكهف وغيرهما. {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} تأوله أبو هريرة وعائشة وأبو أمامة: أنه لأهل القبلة من أهل الاهواء والبدع. وقد مضى في الأنعام بيانه.
وقال الربيع بن أنس: الذين فرقوا دينهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقاله قتادة ومعمر. وقرأ حمزة والكسائي: {فارقوا دينهم}، وقد قرأ ذلك علي ابن أبي طالب، أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد. {وَكانُوا شِيَعاً} أي فرقا، قاله الكلبي. وقيل أديانا، قاله مقاتل. {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي مسرورون معجبون، لأنهم لم يتبينوا الحق وعليهم أن يتبينوه.
وقيل: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض. وقول ثالث: أن العاصي لله عز وجل قد يكون فرحا بمعصيته، فكذلك الشيطان وقطاع الطريق وغيرهم، والله أعلم. وزعم الفراء أنه يجوز أن يكون التمام {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ويكون المعنى: من الذين فارقوا دينهم {وَكانُوا شِيَعاً} على الاستئناف، وأنه يجوز أن يكون متصلا بما قبله. النحاس: وإذا كان متصلا بما قبله فهو عند البصريين على البدل بإعادة الحرف، كما قال جل وعز: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75] ولو كان بلا حرف لجاز.


{وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)}
قوله تعالى: {وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} أي قحط وشدة {دَعَوْا رَبَّهُمْ} أن يرفع ذلك عنهم {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} قال ابن عباس: مقبلين عليه بكل قلوبهم لا يشركون. ومعنى هذا الكلام التعجب، عجب نبيه من المشركين في ترك الإنابة إلى الله تعالى مع تتابع الحجج عليهم، أي إذا مس هؤلاء الكفار ضر من مرض وشدة دعوا ربهم، أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم، مقبلين عليه وحده دون الأصنام، لعلمهم بأنه لا فرج عندها. {ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} أي عافية ونعمة. {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي يشركون به في العبادة.


{لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}
قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ} قيل: هي لام كي.
وقيل: هي لام أمر فيه معنى التهديد، كما قال عز وجل: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29]. {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد.
وفي مصحف عبد الله {وَلِيَتَمَتَّعُوا}، أي مكناهم من ذلك لكي يتمتعوا، فهو إخبار عن غائب، مثل: {لِيَكْفُرُوا}. وهو على خط المصحف خطاب بعد الاخبار عن غائب، أي تمتعوا أيها الفاعلون لهذا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9