{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} اختلف في معناه، فقيل: راجعين إليه بالتوبة والإخلاص.وقال يحيى بن سلام والفراء: مقبلين إليه.وقال عبد الرحمن بن زيد: مطيعين له.وقيل: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:فإن تابوا فإن بني سليم *** وقومهم هوازن قد أنابواوالمعنى واحد، فإن ناب وتاب وثاب وآب معناه الرجوع. قال الماوردي: وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما- أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.الثاني- أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة. الجوهري:وأناب إلى الله أقبل وتاب. والنوبة واحدة النوب، تقول: جاءت نوبتك ونيابتك، وهم يتناوبون النوبة فيما بينهم في الماء وغيره. وانتصب على الحال. قال محمد بن يزيد: لان معنى: {أقم وجهك} فأقيموا وجوهكم منيبين.وقال الفراء: المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين.وقيل: انتصب على القطع، أي فأقم وجهك أنت وأمتك المنيبين إليه، لان الامر له، أمر لامته، فحسن أن يقول منيبين إليه، وقد قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} [الطلاق: 1]. {وَاتَّقُوهُ} أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بين أن العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص، فلذلك قال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقد مضى هذا مبينا في النساء والكهف وغيرهما. {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} تأوله أبو هريرة وعائشة وأبو أمامة: أنه لأهل القبلة من أهل الاهواء والبدع. وقد مضى في الأنعام بيانه.وقال الربيع بن أنس: الذين فرقوا دينهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقاله قتادة ومعمر. وقرأ حمزة والكسائي: {فارقوا دينهم}، وقد قرأ ذلك علي ابن أبي طالب، أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد. {وَكانُوا شِيَعاً} أي فرقا، قاله الكلبي. وقيل أديانا، قاله مقاتل. {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي مسرورون معجبون، لأنهم لم يتبينوا الحق وعليهم أن يتبينوه.وقيل: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض. وقول ثالث: أن العاصي لله عز وجل قد يكون فرحا بمعصيته، فكذلك الشيطان وقطاع الطريق وغيرهم، والله أعلم. وزعم الفراء أنه يجوز أن يكون التمام {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ويكون المعنى: من الذين فارقوا دينهم {وَكانُوا شِيَعاً} على الاستئناف، وأنه يجوز أن يكون متصلا بما قبله. النحاس: وإذا كان متصلا بما قبله فهو عند البصريين على البدل بإعادة الحرف، كما قال جل وعز: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75] ولو كان بلا حرف لجاز.